فرضت الظروف المعاشية والتغييرات الاقتصادية خطراً من نوع خاص بات يلاحق البيوت العربية، مستهدفاً الشباب العربي من الجنسين. فقد كشفت دراسة حديثة أن 35% من الفتيات في كل من الكويت وقطر والبحرين والإمارات بلغن مرحلة العنوسة، وانخفضت هذه النسبة في كل من السعودية واليمن وليبيا لتصل إلى 30%، بينما بلغت 20% في كل من السودان والصومال، و10% في سلطنة عُمان والمغرب، في حين أنها لم تتجاوز في كل من سورية ولبنان والأردن نسبة 5%
، وكانت في أدنى مستوياتها في فلسطين، حيث مثلت نسبة الفتيات اللواتي فاتهن قطار الزواج 1%
، وكانت أعلى نسبة قد تحققت في العراق إذ وصلت إلى 85%. وقد أوضحت الإحصائيات أن العنوسة لا تقتصر على النساء فقط، فهناك نسبة كبيرة من الرجال يعانون من هذه الظاهرة، ففي سورية بيّنت الأرقام الرسمية أن أكثر من 50% من الشبان السوريين لم يتزوجوا بعد، بينما لم تتزوج 60% من الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و29 عاماً، وبلغت نسبة اللواتي تخطين 34 عاماً، دون زواج 2.37%، وهو ما يعني أن أكثر من نصف النساء غير متزوجات. وفي لبنان، أكدت إحصائية أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة اللبنانية أن نسبة الذكور غير المتزوجين ما بين 25 و30 سنة تبلغ 95.1% والإناث 83.2%. أما في مصر فقد أكدت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن نسبة غير المتزوجين من الشباب من الجنسين بلغت بشكل عام حوالي 30%، وبالتحديد 29.7% للذكور و28.4% للإناث. وأشارت نتائج دراسة أردنية مماثلة إلى تأخر عمر الفتيات عند الزواج الأول إلى 29.2، بينما يتأخر إلى 31.9 سنة لدى الذكور. وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية، التي أعلنها الديوان الجزائري للإحصاء أن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن بعد، على الرغم من تجاوزهن الرابعة والثلاثين، وأن عدد العزاب تخطى 18 مليوناً من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة. كما أعلنت دراسة نفذها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بتونس تزايد نسبة العزوبية. وهذا ما دفع خبراء الاجتماع وشؤون الأسرة العرب إلى دراسة الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها والتخفيف من سلبياتها على الشباب والفتيات والمجتمع كله، فقد جاءت الأزمة الاقتصادية وضيق ذات اليد في مقدمة الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة، فعلى سبيل المثال لعب التغيير الاقتصادي الذي ساد منطقة الخليج العربي دوراً كبيراً في زيادة الخلل، حيث بدأت الأسر بتقليد من هم أعلى منهم اجتماعياً، ما أدى إلى المغالاة في المهور والبذخ في الأفراح وارتفاع أثمان الأثاث وفخامة البيوت. وللأسف، كان لتعلم الفتاة دور في استفحال هذه الظاهرة، فقد استفادت الفتيات من الانفتاح في دفع مسيرتهن العلمية والعملية، في حين كانت أعباء الشباب ثقيلة لم تسمح لهم بمتابعة تعليمهم، الأمر الذي أدى إلى تفاوت كبير في المستوى التعليمي بين الشاب والفتاة، فأحجم الشباب عن الفتاة المتعلمة خوفاً من تعاليها عليه نتيجة عدم التكافؤ، ورفضت هي الاقتران بمن هو أقل منها خوفاً من اضطهاده لها والتعامل معها بعنف ليقتل فيها إحساسها بالتميز. هذا وقد أصبح زواج المواطنين من أجنبيات سبب آخر خطير وراء انتشار العنوسة، وخاصة في دول الخليج العربي. أضف إلى ذلك بعض العوامل التي ساعدت على استمرار تفاقم هذه الظاهرة، تحددت في الانتشار الكبير لبدائل غير مشروعة، مثل الزواج العرفي وزياد إقبال الشباب على الإنترنت، وهي طرق بديلة وخاطئة لجأ إليها كثير من الشباب للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالاحترام الآبحترمك. بعد تلك الأرقام المخيفة باتت العنوسة ناقوس خطر يهدد الأسر العربية.. لكن مع تعقد الحياة ومتطلباتها هل سننجح بالقضاء على هذه الظاهرة، أو محاصرتها والحد منها؟ أم أنها ستظل مشكلة قائمة تبحث عن حل؟
rose